كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نعم ربما يقال: إن الكلمة الطيبة على ذلك التقدير إنما تدل على نفي المعبود بالفعل بناء على ما قرر في املنطق أن ذات الموضوع يجب اتصافه بالعنوان بالفعل. ويجاب بمنع وجوب ذلك بل يكفي الاتصاف بالإمكان كما صرح به الفارابي. وأما ما نقل عن الشيخ فمعناه كونه بالفعل بحسب الفرض العقلي لا بحسب نفس الأمر كما تدل عليه عبارته في الشفاء والإشارات فيرجع إلى معنى الإمكان.
والفرق بين المذهبين أن في مذهب الشيخ زيادة اعتبار ليست في مذهب الفارابي وهي أن الشيخ اعتبر مع الإمكان بحسب نفس الأمر فرص الاتصاف بالفعل ولم يعتبره الفارابي. وبالجملة إن الاتصاف بالفعل غير لازم فكل ما يمكن اتصافه بالمعبودية داخل في الحكم بأنه لا يستحق العبادة. ولما كانت القضية سالبة صدقت وان لم يوجد الموضوع. ولعل التحقيق في هذا المقام إن الكلمة الطيبة جارية بين الناس على متفاهم اللغة والعرف لا على الاصطلاحات المنطقية والتدقيقات الفلسفية. وهي كلام ورد في رد اعتقاد المشرك الذي اعتقد أن الهة غير الله سبحانه تستحق العبادة فإذا اعترف المشرك بمضمونه من أنه لا معبود مستحق للعبادة إلا الله تعالى علم من ظاهر حاله الإيمان. ولهذا اكتفى به الشارع عليه الصلاة والسلام. وأما الكافر الذي يعتقد إمكان وجود ذات تستحق العبادة بعد فلا تكفي هذه الكلمة الطيبة في إيمانه كما لا تكفي في إيمان من أنكر النبوة أو المعاد أونحوذلك مما يجب الإيمان به بل لابد من الاعتراف بالحكم الذي أنكره ولا محذور في ذلك. ولما كان الكفرة الذين يعتقدون أن الهة غير الله تعالى تستحق العبادة هم المشهورون دون من يعتقد إمكان وجودها بعد اعتبرت الكلمة علمًا للتوحيد بالنسبة إليهم.
ويعلم من هذا أنه لوقدر الخبر المحذوف من أول الأمر موجود أمكن دفع الاشكال بهذا الطريق أعني متفاهم اللغة وعرف الناس من الأوساط. وأما أن نفي الوجود لا يستلزم نفي الإمكان فلا يلزم من الكلمة الطيبة حينئذ نفي إمكان الهة غير الله تعالى فمما لا يسبق إلى الأفهام ولا يكاد يوجد كافر يعتقد نفي وجود إله غيره تعالى مع اعتقاده إمكان وجود إله غيره سبحانه بعد ذلك. ومن الناس من أيد تقدير الخبر كذلك بأن الظاهر أن لا نافية للجنس ونفي الماهية نفسها بدون اعتبار الوجود واتصافها به كنفي السواد نفسه لا نفي وجوده عنه بعيد. فكما أن جعل الشيء باعتبار الوجود إذ لا معنى لجعل الشيء وتصييره نفسه فكذلك نفيه ورفعه أيضًا باعتبار رفع الوجود عنه.
وتعقب بأن هذا هو الذي يقتضيه النظر الجليل. وأما النظر الدقيق فقد يحكم بخلافه لأن نفي املاهية باعتبار الوجود ينتهي بالآخرة إلى نفس ماهية ما باعتبار نفسها. وذلك لأن نفي اتصافها بالوجود لا يكون باعتبار اتصاف ذلك الاتصاف به إلى ما لا يتناهى. فلا بد من الأنتهاء إلى اتصاف منتف بنفسه لا باعتبار اتصافه بالوجود دفعًا للتسلسل. وقيل: الظاهر أن نفي الأعيان كما في الكلمة الطيبة إنما هو باعتبار ذلك. واما غيرها فتارة وتارة فتدبر. و{إِلا} على التقدير المذكور للاستثناء ورفع الاسم الجليل على ما سمعت من المشهور. وقيل: هي فيه بمعنى غير صفة الاسم لا باعتبار المحل أي لا إله غير الله تعالى موجود.
واعترض بأن المقصود من الكلام أمر أن نفي الألوهية عن غيره تعالى وإثباتها له سبحانه. وهو إنما يتم إذا كانت لا فيه للاستثناء إذ يستفاد النفي والإثبات حينئذ بالمنطوق إما إن كانت بمعنى غير فلا يفيد بمنطوقه إلا نفي الألوهية عن غيره تعالى سبحانه وفي كون إثباتها له تعالى بالمفهو م ويكتفي به بحث ون ذلك ان كان مفهو م لقب فلا عبرة عند القائلين بالمفهو م على الصحيح خلافًا للدقاق.
والصيرفي من الشافعية. وابن خويز منداد من المالكية. ومنصور بن أحمد من الحنابلة. وإن كان مفهو م صفة فمن البين أنه غير مجمع عليه بل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لم يقل بشيء من مفاهيم المخالفة أصلًا. وأنت تعلم أن ما ذكره من إفادة الكلمة الطيبة إثبات الإلهية لله تعالى ونفيها عما سواه عز وجل على تقدير كون إلا للاستثناء غير مجمع عليه أيضًا فإن الاستثناء من النفي ليس بإثبات عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه.
وجعل الإثبات في كلمة الوتحيد بعرف الشرع. وفي المفرغ نحو ما قام إلا زيد بالعرف العام. وما له وما عليه فيك تب الأصو ل فلا تغفل. وتمام الكلام فيما يتعلق باعراب هذه الكلمة الطيبة في كتب العربية. وقد ذكرنا ذلك في تعليقاتنا على شرح السيوطي للألفية. وهي عند السادة الصوفية قدست أسرارهم جامعة لجميع مراتب التوحيد ودالة عليها اما منطوقا أوبالاستلزام. ومراتبه أربع:
الأولى توحيد الألوهية.
الثانية توحيد الأفعال.
الثالثة توحيد الصفات. وإن شئت قلت: توحيد الوجوب الذاتي فإنه يستلزم سائر الصفات الكمالية كما فرعها عليه بعض المحققين.
الرابعة توحيد الذات وإن شئت قلت: توحيد الوجود الحقيقي فإن المال واحد عندهم. وبيان ذلك أن لا إله إلا الله منطوقة على ما يتبادر إلى الأذهان وذهب أليه المعظم قصر الألوهية على الله تعالى قصرًا حقيقيًا أي إثباتها له تعالى بالضرورة ونفيها عن كل ما سواه سبحانه كذلك وهو يستلزم توحيد الأفعال وتوحيد الصفات وتوحيد الذات.
أما الأول الذي هو قصر الخالقية فيه تعالى فلان مقتضى قصر الألوهية عليه تعالى قصرًا حقيقيًا هو أن الله عز وجل هو الذي يستحق أن يعبده كل مخلوق فهو النافع الضار على الإطلاق فهو سبحانه وتعالى الخالق لكل شيء. فإن كل من لا يكون خالقًا لكل شيء لا يكون نافعًا ضارًا على الإطلاق وكل من لا يكون كذلك لا يستحق أن يعبده كل مخلوف لأن العبادة هي الطاعة والأنقياد والخضوع ومن لا يملك نفعًا ولا ضرًا بالنسبة إلى بعض المخلوقين لا يستحق أن يعبده ذلك البعض ويطيعه وينقاد به. فإن من لا يقدر على أيصال نفع إلى شخص أودفع ضر عنه لا يرجوه. ومن لا يقدر على إيصال ضر إليه لا يخافه. وكل ما لا يخاف ولا يرجى أصلًا لا يستحق أن يعبد؛ وهو ظاهر لكحن الذي يقتضيه قصر الألوهية عليه تعالى قصرًا حقيقيًا هو أن الله تعالى هو الذي يستحق أن يعبده كل محلوق فهو النافع الضار على الإطلاق فهو الخالق لكل شيء وهو المطلوب. وأما الثاني فلان الكلمة الطيبة تدل على أن الألوهية ثابتة له تعالى ثبوتًا مستمرًا ممتنع الأنفكاك ومنتفية عن غيره انتفاء كذلك. وكل ما كان كذلك فهي دالة على أنه عز وجل واجب الوجود. وأن كل موجود سواه تعالى ممكن الوجود؛ وكل ما كان كذلك كان وجوب الوجود مقصورًا عليه تعالى وهو مستلزم لسائر صفات الكمال وهو المطلوب. أما دلالتها على أنه عز وجل واجب الوجود فلان الالوهية لا تكون إلا لموجود حقيقة اتفاقًا. وكل ما لا يكون صفة إلا لموجود إذا دل كلام على أنه ثابت لشيء ثبوتًا ممتنع الأنفكاك سرمدًا فقد دل على أن الوجود ثابت لذلك الشيء ثبوتًا ممتنع الأنفكاك سرمدًا. ولا يكون كذلك إلا إذا كان موجودًا لذاته وهو المعنى بواجب الوجود لذاته.
وحيث دلت على ثبوت الألوهية ثبوتًا مستمرًا ممتنع الأنفكاك فقد دلت على وجوب وجوده تعالى وهو مستلزم لسائر صفات الكامل وهو المطلوب.
وأما دلالتها على أن كل موجود سواه فهو ممكن الوجود فلان موجودًا ما سواه لوكان واجب الوجود لذاته لكان مستحقًا أن يعبد لكنها قد دلت على أنه لا يستحق أن يعبد إلا الله فقد دلت على أنه لا واجبًا وجوده لذاته إلا الله تعالى فكل ما سواه فهو ممكن وهو المطلوب. أو يقال: إنها قد دلت على أنه تعالى هو النافع الضار على الإطلاق فهو الجامع لصفات الجلال والإكرام فهو سبحانه المتصف بصفات الكمال كلها وهو المطلوب.
وأما الثالث فقد قال حجة الإسلام الغزالي في باب الصدق من الاحياء: كل ما تقيد العبد به فهو عبد له كما قال عيسى عليه السلام: يا عبيد الدنيا. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم وعبد الحلة وعبد الخميصة» سمي كل من تقيد قلبه بشيء عبدا له. وقال في باب الزهد منه: من طلب غير الله تعالى فقد عبده؛ وكل مطلوب معبود. وكل طالب عبد بالإضافة إلى مطلبه. وقال في الباب الثالث من كتاب (العلم منه).
كل متبع هواه فقد اتخذ هواه معبودًا قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23] وقال صلى الله عليه وسلم: «أبغض إله عبد في الأرض عند الله تعالى هو الهوى» انتهى.
ومن المعلوم أنه ما في الوجود شيء إلا وهو مطلوب لطالب ما وقد صح بما مر إطلاق الإله عليه ولا إله إلا الله فما فـ: الوجود حقيقة إلا الله: ومنهم من قرر دلالة الكلمة الطيبة على توحيد الذات ونفي وجود أحد سواه عز وجل بوجه آخر. وهو أن {إِلا} بمعنى غير بدل من الإله المنفي فيكون النفي في الحقيقة متوجهًا إلى الغير ونفي الغير توحيد حقيقي عندهم. وإذا تبين لك دلالتها على جميع مراتب التوحيد لاح لك أن الشارع لأمر ما جعلها مفتاح الإسلام وأساس الدين ومهداة الأنام.
وفي حديث أخرجه أبونعيم عن عياض الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا إله إلا الله كلمة كريمة ولها عند الله مكان جمعت وسولت من قالها صادقًا من قلبه دخل الجنة» وفي حديث أخرجه ابن النجار عن دينار عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله تعالى من قالها مخلصًا استوجب الجنة» وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مسيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة» وحديث البطاقة أشهر من أن يذكر. وكذا الحديث القدسي المروي عن علي الرضا عن آبائه عليهم السلام. وجاء «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة أي بلا حساب» وإلا فما الفرق بين ذلك ومن قالها ولم تكن آخر كلامه من الدنيا. وبالجملة إن فضلها لا يحصى وإنها لتوصل قائلها إلى المقام الأقصى. وقد ألفت كتب في فضلها وكيفية النطق بها واداب استعمالها فلا نطيل الكلام في ذلك.
بقي ههنا بحث وهو أن المسلمين أجمعوا على وجوب معرفة الله تعالى وان اختلفوا في كونه شرعيًا أو عقليًا. وأما النظر في معرفته تعالى لأجل حصو لها بقدر الطاقة البشرية فقد قال العلامة التفتازاني في (شرح المقاصد): لا خلاف بين أهل الإسلام في وجوبه لأنه أمر مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق الذي هو المعرفة. وكل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعًا ان كان وجوب الواجب المطلق شرعيًا كما هو رأي الأصحاب وعقلًا إن كان عقليًا كما هو رأي المعتزلة لئلا يلزم تكليف المحال. أما كون النظر مقدورًا فظاهر. وأما توقف المعرفة عليه فلانها ليست بضرورية بل نظرية. ولا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر ويتحصل به. وظاهر كلام السيد السند في (شرح المواقف) إجماع المسلمين كافة على ذلك أيضًا. والحق وقوع الخلاف في وجوب النظر كما يدل عليه كلام ابن الحاجب في مختصره. والعضد في شرحه. وكلام التاج السبكي في جمع الجوامع. والجلال الملحى في شرحه. وقول شيخ الإسلام في حاشيته عليه: محل الخلاف في وجوب النظر في أصو ل الدين وعدم وجوبه في غير معرفة الله تعالى منها أما النظر فيها فواجب إجماعًا كما ذكره السعد التفتازاني كغيره اعترضه المحقق ابن قاسم العبادي في حاشيته الآيات البينات بقوله: أن الظاهر أن ما نقله السعد من الإجماع على وجوب النظر في معرفة الله تعالى غير مسلم عند الشارح وغيره. ألا ترى إلى تمثيل الشارح لمحل الخلاف بقوله: كحدوث العالم ووجود الباري تعالى وما جيب له جل شأنه وما يمتنع عليه سبحانه من الصفات فإن قوله: ووجود الباري تعالى الخ يتعلق بمعرفته عز وجل إلى آخر ما قال.
نعم قال كثير ورجحه الإمام الرازي والامدي: إنه يجب النظر في مسائل الاعتقاد ومعرفة الله تعالى أسها فيجب فيها بالأولى.
وقالوا في ذلك: لأن المطلوب اليقين لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله} وقد علم ذلك. وقال تعالى للناس: {واتبعوه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] ويقاس غير الوحدانية عليها. ولا يتم الاستدلال إلا بضم توقف حصو ل اليقين على النظر.
وهؤلاء لم يجوزوا التقليد في الأصو ل وهو أحد أقوال في المسألة. ثانيها قول العنبري.
إنه يجوز التقليد فيها بالعقد الجازم ولا يجب النظر لأنه عليه الصلاة والسلام كان يكتفي في الإيمان بالعقد الجازم ويقاس غير الإيمان عليه.
والمراد أنه عليه الصلاة والسلام كان يكتفي بذلك نظرًا إلى ظاهر الحال فإن الخبر كما صرح به المحقق عيسى الصفوي في شرحه للفوائد الغياثية على ما نقله عنه تلميذه ابن قاسم العبادي في الآيات البينات دال وضعا على صورة ذهنية على وجه الاذعان تحكي الحال الواقعية. ولا شك أن لا إله إلا الله محمد رسول الله من قسم الخبر فهما دالأن وضعا على أن قائلهما ولوتحت ظلال السيف معتقد لمضمونهما على وجه الأذعان. وعدم كونه معتقدًا في نفس الأمر احتمال عقلي. والمطلع على ما في القلوب علام الغيوب.
وثالث الأقوال أنه يجب التقليد بالعقد الجازم ويحرم النظر لأنه مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف الأذهان بخلاف التقليد وهذا ليس بشيء أصلًا.
والذي أوجب النظر من المحققين لم يرد به النظر على طريق المتكلمين بل صرح كما في الجواب العتيد للكوراني بأن المعتبر هو النظر على طريق العامة. والظاهر أنه ليس مظنة الوقوع فيما ذكر. وهل القائل بوجوبه من أولئك جاعل له شرطًا لصحة الإيمان أم لا ففيه خلاف.
فيفهم من بعض عبارات شرح الأربعين لابن حجر أنه جاعل له كذلك فلا يصح إيمان المقلد عنده. بل يفهم منها أن النظر المعتبر عند ذلك هو النظر على طريق المتكلمين. وكلام الجلال المحلي في شرح جمع الجوامع صريح في أن القائلين بوجوب النظر غير أبي هاشم ليسوا جاعلين النظر شرطًا لصحة الإيمان ولا زاعمين بطلأن إيمان المقلد بل هو صحيح عندهم مع الإثم بترك النظر الواجب.
نعم سيأتي إن شاء الله تعالى نقل الإمام حجة الإسلام في كتابه فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة نقل الاشتراط عن طائفة من المتكلمين مع رده.
وأما ما نقل عن الشيخ الأشعري من الاشتراط وأنه لا يصح إيمان المقلد فكذب عليه كما قاله الأستاذ أبو القاسم القشيري. وقال التاج السبكي: التحقيق أنه ان كان التقليد أخذًا بقول الغير بغير حجة مع احتمال شك أو وهم فلا يكغي. وان كان جزمًا فيكفي خلافًا لأبي هاشم.
والظاهر أن القائل بكفاية التقليد مع الجزم يمنع القول بأن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر ويقول: إنها قد تحصل بالإلهام أو التعليم أو التصفية فمن حصل له العقد الجازم بما يجب عليه اعتقاده فقد صح إيمانه من غير اثم لحصو ل المقصود. ومن لم يحصل له ذلك ابتداء أوتقليدًا أوضرورة فالنظر عليه متعين {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بآيات رَبّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22].
ويكفي دليلًا للصحة اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم من عوام العجم كؤجلاف العرب وان أسلم أحدهم تحت ظل السيف بمجرد الإقرار بلا إله إلا الله محمد رسول الله الدال بحسب ظاهر حالهم على أنهم يعتقدون مضمون ذلك ويذعنون له. ولوكان الاستدلال فرضًا لأمروا به بعد النطق بالكلمتين أو علموا الدليل ولقنوه كما لقنوهما وكما علموا سائر الواجبات. ولووقع ذلك لنقل إلينا فإنه من أهم مهمات الدين. ولم ينقل أنهم أمروا أحدًا منهم أسلم بترديد نظر ولا سألوه عن دليل تصديقه ولا أرجؤا أمره حتى ينظر فلوكان النظر واجبًا على الأعيان ولوإجماليًا على طريق العامة لما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك العوام والاجلاف بمجرد الإقرار لأن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه لا يقرون أحدًا على ترك فرض العين من غير عذر. فلا يكون تاركه اثمًا فضلًا عن أن يكون بتركه غير صحيح الإيمان. ويشهد لذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد عند اعتذاره عن قتل مرداس بن نهيك من أهل فدك وغيره من الأخبار الكثير.